فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وجوز أن يكون المعنى أنه تعالى يقابلهم بمكرهم، ولا يمنع من ذلك كون مكرهم في غاية الشدة فهو سبحانه وتعالى أشد مكرًا، ولا حاجة حينئذ إلى ملاحظة الإبطال فتدبر.
وعن الحسن وجماعة أن {إن} نافية واللام لام الجحود {وَكَانَ} تامة، والمراد بالجبال آيات الله تعالى وشرائعه ومعجزاته الظاهرة على أيدي الرسل السالفة عليهم السلام التي هي كالجبال في الرسوخ والثبات والقصد إلى تحقير مكرهم وأنه ما كان لتزول منه الآيات والنبوات.
وجوز أن تكون {كَانَ} ناقصة وخبرها إما محذوف أو الفعل الذي دخلت عليه اللام على الخلاف الذي بين البصريين والكوفيين.
وأيد هذا الوجه بما روى عن ابن مسعود من أنه قرأ {وَمَا كَانَ} بما النافية، وتعقب بأن فيه معارضة للقراءة الدالة على عظم مكرهم كقراءة الجمهور، وأجيب بأن الجبال في تلك القراءة يشار بها إلى ما راموا إبطاله من الحق كما أشرنا إليه وفي هذه على حقيقتها فلا تعارض إذ لم يتواردا على محل واحد نفيًا وإثباتًا.
ورد بأنه إذا جعل الحق شبيهًا بالجبال في الثبات كان مثلها بل أدون منها في هذا المعنى، فإذا نفى إزالته إياه انتفى إزالته جبال الدنيا وحينئذ يجيء الإشكال.
وتعقبه الشهاب بأن هذا غير وارد لأن المشبه لا يلزم أن يكون أدون من المشبه به في وجه الشبه بل قد يكون بخلافه ولو سلم فقد يقدر على إزالة الأقوى دون الآخر لمانع كالشجاع يقدر على قتل أسد ولا يقدر على قتل رجل مشبه به لامتناعه بعدة أو حصن ولا حصن أحصن وأحمى من تأييد الله تعالى شأنه للحق بحيث تزول الجبال يوم تنسف نسفًا ولا يزول انتهى، وإلى تفسير {الجبال} على هذه القراءة بما ذكرنا ذهب شيخ الإسلام ثم قال: وأما كونها عبارة عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأمر القرآن العظيم كما قيل فلا مجال له إذ الماكرون هم المهلكون لا الساكنون في مساكنهم من المخاطبين.
وإن خص الخطاب بالمنذرين وسيظهر لك قريبًا إن شاء الله تعالى جواز ذلك على بعض الأقوال في الآية، والجملة حال من الضمي في {مَكَرُواْ} لا من قوله تعالى: {وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ} وجوز أبو البقاء.
وغيره أن تكون مخففة من الثقيلة والمعنى إن كان مكرهم ليزول منه ماهو كالجبال في الثبات من الآيات والشرائع والمعجزات، والجملة أيضًا حال من الضمير المذكور أي مكروا مكرهم المعهود وأن الشأن كان مكرهم لإزالة الحق من الآيات والشرائع على معنى أنه لم يكن يصح أن يكون منهم مكر كذلك وكان شأن الحق مانعًا من مباشرة المكر لإزالته.
وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن وثاب والكسائي {لِتَزُولَ} بفتح اللام الأولى ورفع الفعل فإن على ذلك عند البصريين مخففة واللام هي الفارقة، وعند الكوفيين نافية واللام بمعنى إلا، والقصد إلى تعظيم مكرهم فالجملة حال من قوله تعالى: {وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ} أي عنده تعالى جزاء مكرهم أو المكر بهم والحال أن مكرهم بحيث تزول منه الجبال أي في غاية الشدة.
وقرئ {لِتَزُولَ} بالفتح والنصب، وخرج ذلك على لغة جاءت في فتاح لام كي.
وقرأ عمر وعلى وأبي وعبد الله وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو إسحاق السبيعي وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهم ورحمهم {وَإِن كَادُواْ} بدال مكان النون و{لِتَزُولَ} بالفتح والرفع، وهي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ونقل أبو حاتم عن أبي رضي الله تعالى عنه أنه قرأ {وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الله مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال} وحمل ذلك بعضهم على التفسير لمخالفته لسواد المصحف مخالفة ظاهرة؛ هذا ومن الناس من قال: إن الضمير في {مَكَرُواْ} للمنذرين، والمراد بمكرهم ما أفاده قوله عز وجل: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال: 30] وغيره من أنواع مكرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال شيخ الإسلام: ولعل الوجه حينئذ أن يكون قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرُواْ} الخ حالًا من القول المقدر أي فيقال لهم ما يقال والحال أنهم مع ما فعلوا من الأقسام المذكورة مع ما ينافيه قد مكروا مكرهم العظيم أي لم يكن الصادر عنهم مجرد الأقسام الذي وبخوا به بل اجترؤا على مثل هذه العظيمة.
وقوله سبحانه: {وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ} حال من ضمير {مَكَرُواْ} حسبما ذكر من قبل.
وقوله تعالى: {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ} إلى آخره مسوق لبيان عدم تفاوت الحال في تحقيق الجزاء بين كون مكرهم قويًا أو ضعيفًا كما مرت الإشارة إليه، وعلى تقدير كون {إن} نافية فهو حال من ضمير {مَكَرُواْ} والجبال عبارة عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أي وقد مكروا واو الحال أن مكرهم ما كان لتزول منه هاتيك الشرائع والآيات التي هي كالجبال في القوة، وعلى تقدير كونها مخففة من الثقيلة واللام مكسورة يكون حالًا منه أيضًا، على معنى أن ذلك المكر العظيم منهم كان لهذا الغرض، والقصد إلى أنه لم يصح أن يكون منهم مكر كذلك لما أن شأن الشرائع أعظم من أن يمكر بها.
وعلى تقدير فتح اللام فهو حال من قوله تعالى: {وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ} كما ذكر سابقًا اهـ.
ويجوز أن يراد بمكرهم شركهم كما أخبرجه ابن جرير.
وغيره عن ابن عباس، والجبال على حقيقتها وأمر الجملة على ما قال.
وحاصل المعنى لم يكن الصادر عنهم مجرد الأقسام مع ما ينافيه بل اجترؤا على الشرك وقالوا: {اتخذ الرحمن وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السموات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدًّا} [مريم: 88-90] وقد روى عن الضحاك أنه صرح بأن ما نحن فيه كهذه الآية، ثم إن القول بجعل الضمير للمنذرين قول بعدهم دخول هذا الكلام في حيز ما يقال، وهو الظاهر كما قيل، وكذا حمل الجبال على معناها الحقيقي.
وفي البحر الذي يظهر أن زوال الجبال مجاز ضرب مثلًا لمكر قريش وعظمه والجبال لا تزول، وفيه من المبالغة في ذم مكرهم ما لا يخفى.
وأما ما روى أن جبلًا زال بحلف امرأة اتهمها زوجها وكان ذلك الجبل من حلف عليه كاذبًا مات فحملها للحلف فمكرت بأن رمت نفسها من الدابة وكانت وعدت من اتهمت به أن يكون في المكان الذي وقعت فيه من الدابة فاركبها زوجها وذلك الرجل وحلفت على الجبل أنها ما مسها غيرهما فنزلت سالمة وأصبح الجبل قد اندك وكانت المرأة من عدنان.
وما روى من قصة نمروذ بن كوش بن كنعان أو بخت نصر واتخاذ الأنسر وصعودهما إلى قرب السماء في قصة طويلة مشهورة، وما فعل بعضهم من حمل الجبال على دين الإسلام والقرآن وحمل المكر على اختلافهم فيه من قولهم: هذا سحر، هذا شعر، هذا إفك فأقول ينبو عنها ظاهر اللفظ، وبعيد جدًا قصة الأنسر اهـ.
واستبعد ذلك أيضًا كما نقل الإمام القاضي وقال: إن الخطر في ذلك عظيم ولا يكاد العاقل يقدم عليه، وما جاء خبر صحيح معتمد ولا حاجة في تأويل الآية إليه، ونعم ما قال في خبر النسور فإنه وإن جاء عن علي كرم الله تعالى وجهه وعن مجاهد وابن جبير وأبي عبيدة والسدي وغيرهم إلا أن في الأسانيد ما لا يخفى على من نقر.
وقد شاع ذلك من أخبار القصاص وخبرهم واقع عن درجة القبول ولو طاروا إلى النسر الطائر، ومثل ذلك فيما أرى خبر المتهمة فافهم والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال القاسمي:

قوله: {وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ}.
يعني يوم القيامة: {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا} أي: رُدَّنا إلى الدنيا وأمهلنا: {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أي: أمد من الزمان قريب: {نُّجِبْ دَعْوَتَكَ} أي: إلى الإقرار بتوحيدك وأسمائك الحسنى: {وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} أي: إلى ما دعونا إليه من الشرائع.
{أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم} على إضمار القول. أي: فيقال لهم توبيخًا وتبكيتًا {ألم} تكونوا تحلفون: {مِّن قَبْلُ} يعني في الدنيا: {مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ} أي: من دار الدنيا إلى دار أخرى للجزاء. كقوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} [النحل: من الآية 38].
{وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} كعاد وثمود: {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} أي: بما تشاهدونه في منازلهم من آثار ما نزل بهم، وما تواتر عندكم من أخبارهم: {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ} أي: صفات ما فعلوا وما فعل بهم. أي: ومع ذلك فلم يكن لكم فيهم معتبر ولا مزدجر.
{وَقَدْ مَكَرُواْ} أي: بالنبي صلوات الله عليه: {مَكْرَهُمْ} أي: العظيم، أي: الذي استفرغوا فيه جهدهم لإبطال الحق وتقرير الباطل: {وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ} أي: جزاء مكرهم: {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ} أي: في العظم والشدة: {لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} أي: مُسَوَّى ومُعَدًا لإزالة الجبال عن مقارِّها، لتناهي شدته.
وجوَّز في إن كونها نافية واللام مؤكدة له. والمعنى: ومحال أن تزول الجبال بمكرهم، على أن الجبال مَثَلٌ أي: استعارة تمثيلية لآيات الله وشرائعه؛ لأنها بمنزلة الجبال الراسية ثباتًا وتمكنًا. وينصره قراءة ابن مسعود: {وَمَا كانَ مَكرُهُم} وقرئ {لَتَزُولُ} بلام الابتداء أي: هو من الشدة بحيث تزول منه الجبال وتنقلع من أماكنها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَأَنذِرِ الناس يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب فَيَقُولُ الذين ظلموا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل}.
عطف على جملة {ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون} [إبراهيم: 42]، أي تَسَلّ عنهم ولاتملل من د عوتهم وأنذرهم و{الناس} يعم جميع البشر والمقصود: الكافرون، بقرينة قوله: {يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا}. ولك أن تجعل الناس ناسًا معهودين وهم المشركون و{يوم يأتيهم العذاب} منصوب على أنه مفعول ثانٍ ل {أنذر}، وهو مضاف إلى الجملة وفعل الإنذار يتعدى إلى مفعول ثانٍ على التوسع لتضمينه معنى التحذير، كما في الحديث «ما من نبي إلا أنذر قومه الدجال». وإتيان العذاب مستعمل في معنى وقوعه مجازًا مرسلًا. والعذاب: عذاب الآخرة، أو عذاب الدنيا الذي هُدّد به المشركون. و{الذين ظلموا}: المشركون. وطلب تأخير العذاب إن كان مرادًا به عذاب الآخرة فالتأخير بمعنى تأخير الحساب، أي يقول الذين ظلموا: أرجعنا إلى الدنيا لنجيب دعوتك. وهذا كما في قوله تعالى: {رب ارجعون لعلي أعمل صالحًا فيما تركت} [سورة المؤمنون: 99، 100]، فالتأخير مستعمل في الإعادة إلى الحياة الدنيا مجازًا مرسلًا بعلاقة الأول. والرسل جميع الرسل الذي جاءُوهم بدعوة الله. وإن حمل على عذاب الدنيا فالمعنى: أن المشركين يقولون ذلك حين يرون ابتداء العذاب فيهم. فالتأخير على هذا حقيقة. والرسل على هذا المحمل مستعمل في الواحد مجازًا، والمراد به محمد. والقريب: القليل الزمن. شبه الزمان بالمسافة، أي أخّرنا مقدار ما نجيب به دعوتك.
{أَوَلَمْ تكونوا أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ وَسَكَنتُمْ في مساكن الذين ظلموا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمثال}.
لما ذُكر قبل هذه الجملة طلب الذين ظلموا من ربهم تعين أن الكلام الواقع بعدها يتضمن الجواب عن طلبهم فهو بتقدير قول محذوف، أي يقال لهم.
وقد عُدل عن الجواب بالإجابة أو الرفض إلى التقرير والتوبيخ لأن ذلك يستلزم رفض ما سألوه.
وافتتحت جملة الجواب بواو العطف تنبيهًا على معطوف عليه مقدر هو رفض ما سَألوه، حُذف إيجازًا لأن شأن مستحق التوبيخ أن لا يعطى سؤله.
التقدير كلا وألَم تكونوا أقسمتم.. إلخ.
والزوال: الانتقال من المكان.
وأريد به هنا الزوال من القبور إلى الحساب.
وحذف متعلق {زوال} لظهور المراد، قال تعالى: {وأقسموا بالله جهَد أيمانهم لا يبعث الله من يموت} [سورة النحل: 38].
وجملة {ما لكم من زوال} بيان لجملة {أقسمتم}.
وليست على تقدير قول محذوف ولذلك لم يسرع فيها طريق ضمير المتكلم فلم يقل: ما لنا من زوال، بل جيء بضمير الخطاب المناسب لقوله: {أولم تكونوا أقسمتم}.
وهذا القسم قد يكون صادر من جميع الظالمين حين كانوا في الدنيا لأنهم كانوا يتلقون تعاليم واحدة في الشرك يتلقاها الخلف عن سلفهم.
ويجوز أن يكون ذلك صادرًا من معظم هذه الأمم أو بعضها ولكن بقيتهم مضمرون لمعنى هذا القسم.
وكذلك الخطاب في قوله: {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم} فإنه يعم جميع أمم الشرك عدا الأمة الأولى منهم.
وهذا من تخصيص العموم بالعقل إذ لابد أن تكون الأمة الأولى من أهل الشرك لم تسكن في مساكن مشركين.
والمراد بالسكنى: الحلول، ولذلك عُدّي بحرف الظرفية خلافًا لأصل فعله المتعدي بنفسه.
وكان العرب يمرون على ديار ثمود في رحلتهم إلى الشام ويحطون الرحال هنالك، ويمرون على ديار عاد في رحلتهم إلى اليمن.
وتبيّنُ ما فعل الله بهم من العقاب حاصل من مشاهدة آثار العذاب من خسف وفناء استئصال.
وضَرب الأمثال بأقوال المواعظ على ألسنة الرسل عليهم السلام، ووصف الأحوال الخفية.
وقد جمع لهم في إقامة الحجة بين دلائل الآثار والمشاهدة ودلائل الموعظة..
{وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)}.
يجوز أن يكون عطفَ خبر على خبر، ويجوز أن يكون حالًا من {الناس} في قوله: {وأنذر الناس}، أي أنذرهم في حال وقوع مكرهم.
والمكر: تبييت فعل السوء بالغير وإضمارُهُ.
وتقدم في قوله تعالى: {ومكروا ومكر الله} في سورة آل عمران [54]، وفي قوله: {أفأمنوا مكر الله} في سورة الأعراف [99].
وانتصب {مكرهم} الأول على أنه مفعول مطلق لفعل {مكروا} لبيان النوع، أي المكر الذي اشتهروا به، فإضافة {مكر} إلى ضمير {هم} من إضافة المصدر إلى فاعله.
وكذلك إضافة {مكر} الثاني إلى ضمير {هم}.
والعندية إما عندية عِلم، أي وفي علم الله مكرهم، فهو تعري بالوعيد والتهديد بالمؤاخذة بسوء فعلهم، وإما عندية تكوين ما سُمي بمكر الله وتقديره في إرادة الله فيكون وعيدًا بالجزاء على مكرهم.
وقرأ الجمهور {لتزول} بكسر اللام وبنصب الفعل المضارع بعدها فتكون إن نافية ولام {لتزول} لام الجحود، أي وما كان مكرهم زائلة منه الجبال، وهو استخفاف بهم، أي ليس مكرهم بمتجاوز مكر أمثالهم، وما هو بالذي تزول منه الجبال.
وفي هذا تعريض بأن الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين يريد المشركون المكر بهم لا يزعزعهم مكرهم لأنهم كالجبال الرواسي.
وقرأ الكسائي وحده بفتح اللام الأولى من {لَتزولُ} ورفع اللام الثانية على أن تكون {إنْ} مخففة من {إنْ} المؤكدة وقد أكمل إعمالها، واللام فارقة بينها وبين النافية، فيكون الكلام إثباتًا لزوال الجبال من مكرهم، أي هو مكر عظيم لَتزول منه الجبال لو كان لها أن تزول، أي جديرة، فهو مستعمل في معنى الجدارة والتأهل للزوال لو كانت زائلة.
وهذا من المبالغة في حصول أمر شنيع أو شديد في نوعه على نحو قوله تعالى: {يكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدًا} [سورة مريم: 90]. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ}.